الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

الإله الذي نزف

عزيزي المصري أقسم بالله العلي العظيم أني أحبك أياً كان شكلك أو جنسك أو لونك أو دينك أياً كان إنتمائك السياسي أو الفكري أياً كان الفريق الذي تُشجعه لأننا خُلقنا في هذه الدُنيا كُلاً منا بأفكاره و معتقداته لنختلف و لنتحاور و نتحدث و كل منا له رأيه و لكنه يجب عليه أن يحترم رأي من يُخالفه لذا أستمع رأيي في هدوء و إن كان لا يُعجبك فسأسمح لنفسي بتقبل إهاناتك و شتائمك أو تعليقاتك الساخرة أو أعتراضك و إختلافك المحترم.


عزيزي المصري يبدو أننا نحمل جين وراثي فريد من نوعه ألا و هو جين التقديس و أعتقد أن الأسطورة المصرية الرائعة التي غابت عننا و نحن في غفلة عنها جمال حمدان لو كان معنا لبحث هذا الأمر بطريقته العلمية القوية المُتعمقة و لكن دعنا من العلم و العلوم و هيا بنا نتحدث قليلاً و أرجو منك أن تعود بالذاكرة قليلاً إلى أيام كُنا نتدارس فيها تاريخ مصر و ما أثمره و أكثره و بالتحديد في تلك الحُقبة العظيمة الهامة و هي حُقبة الفراعنة في هذا الوقت ما فعل المصري قديم شيئ إلا أن عبد كُل شيئ الطيور و النجوم و الكواكب و الحيوانات المزرعية و الحيوانات البرية و الشمس و حتى الملك تمت عبادته و تقديسه و في كل مرة يموت الملك كان المصري القديم يتعجب و هل يموت الإله فتفتق عن ذهنه ذلك التخيل الغريب الذي ترك لنا آلاف و آلاف من الآثار و هي الرحلة بعد الموت فأخذ المصري القديم فكرة الإستعداد للموت على أنه رحلة و أن الروح تحتاج إلى أشياء كانت معها في حياتها في الأرض لذا فهي تحتاجها في حياتها الأخرى.


يبدو أن الأديان السماوية غيرتنا إلا قليلاً فنحنُ لازالنا نُقدس الأشياء و نُقدس الأشخاص فبدون حكمتهم لن نصير أمة و بدون بصيرتهم فلا خُطط مُستقبلية و لا مرحلية و لا أي حاجة خالص و من هنا و على مدار ثلاثون عاماً صنعنا ذلك الإله و هو الذي أدرك ذلك فينا و أدركته تلك الحاشية فدأبوا على كنز كُل ما يقع تحت أيديهم لا أعلم لأي حياة فغالبيتهم كانوا في الرمق الأخير و لكن عفواً نحنُ من صنعهم فصدقوا أنفسهم فتمادوا ة تجبروا و تكبروا و بقدر ما كان الصعود عالياً بقدر ما كان السقوط مدوياً فكيف يسقط من هو في مصاف الآلهة لا يُخطئ و هو فوق الحساب كيف واتتنا الجرأة على أن نضع شخص بهذه المنزلة حقاً و فينا من رجال الدين و المتديينين ما يكفي و يفيض.


و سقط ذاك الفرعون و لم نتوقف عن هوايتنا في صناعة الآلهة و لكن في هذه المرة تفرق أتباع الفرعون فخلق كُل منا لنفسه من يسير ورائه و في هذه الأيام التي نستنشق فيها عبير الحُرية التي لم نعلمها قط و لم نختبرها كُلها بعد نرى أننا بيننا أغلبية كبيرة تصنع ذات الآله و ترتكب نفس الجريمة التي ربما لن يغفرها لهم الأجيال القادمة و ستظل يد العار بأصابعها الخمس فوق تلك الجباه الذليلة و لأنهم تعودوا على الذُل فأعتقدوا أنه لا أمان بدونه و لأنهم نسوا طعم الكرامة فأعتقدوا أن الأمور لا تستقيم إلا إذا حُرموا من كرامتهم و قالوا فيما بينهم إن هذا الإله الحكيم سيطبق بالحديد و النار على اللصوص و المجرمين فقط أما نحنُ الشُرفاء فلن تطولنا يداه فنحنُ نُسبح بحمده و نسير وفق رؤيته الثاقبة للأمور.


رافضين مبدأ أن لهم عقول يفقهون بها و أنهم يستحقون أن يقولوا ما يشاءوا و أن يفعلوا ما يريدوا ماداموا لم يُخالفوا القانون أو الشرع الذي شرعه لنا الله و هم صنعوا من ذلك المُشير الخادم الأمين الإله الجديد الذي سيُنقذ مصر التي خربتها ثورة الشُرفاء من بؤس ما كانت فيه أُمة من قبل و من ذُل ما رأته أعيُن قط ثورة خرجت تُنادي بالعدالة و الحرية و المساواة و كُل تلك القيم الجميلة التي كُنا نحلُم بها و يبدو أننا سنستمر في الأحلام طويلاً.


إلى كُل من يصنع من المجلس العسكري إله ورائه يسير تذكر فمن زمن قليل كان هُناك إله صنعتوه من قبل و لكنه نزف و هو الآن ذليل و كسير لأنه هُناك إله واحد لا إله إلا هو سُبحانه و تعالى فبالله عليكم لا تصنعوا من البشر شيئاً إلا أن تتركوهم بشر لا تُسرفوا في الحديث و تعديد المثالب فيفتنوا و يظنوا أنهم حقاً كما تتخيلون بينما هم اقل من القليل.


إتقوا الله فينا رحمنا و إياكم.

ليست هناك تعليقات: