الجمعة، 22 يونيو 2012

البرادعي



للأسف كلامي سيكون مجروح لأني لن ألتزم فيه بالحيادية على الإطلاق فعقلي دائما كان مع ذلك الهادئ ذو الكلام البسيط الواضح ذو الشخص المُرتبة جيداً أفكاره واثقة خُطواته لا يبحث عن الإثارة لا يبحث عن المنصب أو السُلطة يتألم لنفس ما تألمت من أجله كثيراً جداً جداً جداً لم أتعجب حينما رأيته عائداً إلى وطنه بعد كُل تلك السنين التي قضاها في غُربته الطويلة عائداً يحمل في شنطة سفره بعض من أفكاره الهادئة الظاهر مُلتهبة الباطن بعض من أحلامه التي لا ينام بسببها فهو دائماً يُحاول تحقيقها بعض من علمه و رؤيته المُستقبلية التي لم نرى منها إلا القليل.


للأسف كلامي سيبدو غير واقعي و هذا صحيح لأن هذا الرجُل جاء بفكرة لشعب يمقُت التفكير جاء بحلم لشعب لا يُطارد أحلامه إن حلم  لا يُطارد سوى تلك العُملات الرديئة و لا تُشغله سوى تلك العبارات الركيكة شعب لا يستطيع أن يُفكر في الغد فهُناك أفواه جائعة و يوم عمل شاق و إعلام يُطارده بالأكاذيب و المؤمرات التي تجعله خائفاً مُرتعداً ينظر إلى تلك الطفلة النائمة على نفس ذات السرير الذي سينام عليه مع زوجته سيلتحفون بنفس تلك البطانية التي أرقتها الثقوب و لعب بها الوقت كُل الألاعيب و لكن ربة المنزل تُدرك جيداً أنها لا تملُك رفاهية شراء بطانية جديدة.


كُنت مُدرك بإدراك يقيني أن بضاعة هذا الرجُل لن تلقى رواجاً هُنا في بلدي فالمُفتخيرين بزويل لم يُدركوا أن زويل لم تصنعه مصر بقدر ما صنعته أمريكا بجامعاتها و أمكانياتها البحثية و قُدرتها الفائقة على الحُلم و إحداث التغيير و لكنهم كالعادة تعلقوا به و تعملقوا به و تفاخروا به على الجزائر في أيام تلك الأزمة الكروية التي ذكرتني بإبن هند و إن كُلثوم وصراعات العرب التافهة التي خاضوها من أجل كرامة زائفة و كبرياء لا واقع له سوى أننا نُجيد الكلام.


كان هادئ لا يثور بينما الإعلام الذي رفعه مكاناً عالياً ينِزل به أسفل سافليين لا لشيئ سوى أنه قال التغيير و قتها هب الساجدين من سجودهم و حشدوا قوتهم و هجموا هجمتهم فتارة إبنته ترتدي البكيني و تزوجت من مُلحد و تارة هو الذي أدخل أمريكا إلى العراق و تارة هو يُريد أن ينزع غطاء رأس عن أُمك و تبارى الإعلامييون من كُل النواحي في التقرُب إلى سيدهم بالهجوم على هذا الرجُل وقتها أدركت أنه يحمل كلام صدق و أنه يحمل أفكار الحق و أنه يبحث عن نفس ذات الذي أبحث عنه الحُرية و العدالة الإجتماعية.


لم أكُن يوماً ناشطاً سياسياً و لم أكُن يوما مشغولا بمصر فقد رأيت أوربا و تعلقت مُنذ صغري بالحضارة الغربية فقد كان أبي موسوعي الثقافة رحمة الله عليه و بعد أن أشتد عودي في القراءة على يد نبيل فاروق أخذت أعبث بمكتبة أبي الضخمة في ذلك المنزل البسيط بحي الخلفاوي بشبرا فضحك و أهداني كتاب أساطير الإغريق قال لي إذا أستطعت قراءة هذا الكتاب سأترُك لك هذا الإرث تفعل به ما تشاء فأبحرتُ مع بوسيدون و أبوللو و خشيت رعد زيوس و أفتتنت بسحر فينوس و حكمة ديانا و هرقل و أوديسيوس و تألمت لسقوط طروادة بذلك الحصان الخشبي و من هذا الكتاب إلى الإلياذة و الأوديسة و منهم إلى الكوميديا الإلهية لدانتي حتى أرشدني أبي إلى الرائع شكسبير.


لم أكُن يوماً بعيداً عما يجري على ارض مصر من ظُلم و قهر و إستبداد كان يطولني بعض منه في تلك المدارس الأميرية التي أرتدتها ثُم الجامعة ثُم العمل كُنت أرى الفساد يعلو و يعلو و يعلو و أنا سلبي حتى النهاية حتى حدث ذات يوم أنا كُنت أسير بسيارتي في المعادي عائداً من العمل في ذلك اليوم شديد الحرارة أغلقت الزُجاج بإحكام و هواء التكييف مُنعش أخذتُ أنظُر في الوجوه الواقفة تنتظر الميكروباص أو الأوتوبيس رأيتها مُسودة غابرة مُرهقة فتيات أهلكت الشمس الحارقة جمال وجوههن رجال كسر الزمن ما تبقى من رجولتهم و قتل الركض وراء لُقمة العيش ما يملكون من إنسانية سيدات تحمل أطفال و تحمل أوزار الحياة التعسة حتى إذ بي أمام موقف لن أنساه ما حييت صندوق قمامة ضخم تسلقته سيدة تتشح بالسواد تحمل في يدها كيس أسود تعجبت مما تفعل و توقفت أُراقب من بعيد فرأيتها تتخير من القمامة و تضع في ذلك الكيس لم أشعُر إلا و دموعي تتساقط كما لم تفعل من قبل تتساقط كأني فقدت أعز ما أملُك ها هي أُم لا تُمد يدها و تتخير من بين قمامة أهل المعادي ما يسد جوعها هي و أطفالها يا ويلتنا يا ويلتنا إلى أي جحيم سنذهب إلي أي جحيم سنذهب أين أنت يا عُمر بن الخطاب يا من قُلت لو تعثرت دابة في العراق لسُأل عنها عُمر و هُنا في مصر في بلدي هُناك من هو مثل تلك الأُم و لا ينتحب أحد من أجلها أفقاتني من تأمُلاتي تلك السيارة الفارهة و هي تُطلق الصفير طالبة مني أن أفُسِح الطريق و كانت قمة التناقض بين من تبحث في القمامة عما تأكُله و بين السيارة الفارهة التي يربو ثمنها عن المليون جنيه في مشهد واحد قتل كُل إبتساماتي و رغبتي في الحياة.


وقتها جاء البرادعي إلى مصر بأحلامه و أفكاره فمعه حلمت و معه إنطلقت أفكاري و أشتركت و وقعت على بيان التغيير حتى حدثت الثورة و حدث ما حدث و أعتقدت أننا سنلتف جميعاً حول أفكاره و لكني كُنت واهم فقد بحث كُل من قيصر و أنتونيو و أغسطس و نيرون و بومبي عن مجدهُم هُم و لتحترق روما أو تذهب إلى الجحيم هكذا كان حالُنا فمن سار وراء الخطاب الديني سار و من سار وراء النظام القديم سار و من سار وراء الكارهيين سار و من سار وراء المُستفيدين سار و وقف الرجُل وحده حوله بعض من المؤمنين به و بأحلامه و بأفكاره جميعهم أدركوا أنه من العبث أن يكون هُناك شعب يُحقق فيلم شارع الهرم أعلى إيرادته أن يلتفت إلى البرادعي الفكرة أو شعب يؤرقه إنتقال عبد الله السعيد إلى الأهلي أكثر ما يؤرقه الإستبداد و الفساد أن يلتفت إلى البرادعي الحُلم يؤرقه أن مصر لم تصل إلى كأس العالم أكثر ما يؤرقه أن مصر تحمل المركز الأول في الكثير من الأمراض الخبيثة و السرطانية شغب أغمض عيناه عن العدل اليوم فطاله الظُلم الغد.


سأقف مع الحق و مع الفكرة و مع الحُلم حتى يأتي نصر الله أو يقضي الله أمره في و في كُل الموجودين ثُم نُرد إليه جميعاً فيُحاسبنا جميعاً و يُخبرنا أياً كان حق و أياً كان باطل ألا لعنةُ الله على الظالميين عزيزي البرادعي هذا الوطن لا يستحقك بقدر ما يحتاجك هذا الوطن يحتاج إلى من يُحطم بداخله تابوهات كثيرة حتى يُدرك أنه لا عبودية إلا لله عز و جل.






الإجابة كانت حقاً البرادعي الفكرة و لا زالت

ليست هناك تعليقات: