في يونيو
من عام 1989 ثارت طبقة من الطبقات الصينية في واحدة من أكبر الثوارت عدداً في
العالم فقد ثار الطُلاب و العُمال على الشيوعية الصينية أو الأشتراكية الصينية
التي أسسها ماو تسي تونج و على الرغم من مُعدلات النمو الهائلة وقتها إلا إنها
تركزت على السلع الإستهلاكية فقط و كان من نتائج إدارة الأزمة أن أرتفعت مُعدلات
التضخُم بشكل رهيب و حدث نقص حاد في الموارد الأساسية من غذاء إلى طاقة إلى كُل
تلك الأشياء التي تمس حياة المواطن البسيط و كالعادة إتسعت الفجوة بين الأغنياء و
بين الفُقراء حتى حدثت تلك الإنتفاضة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف تجمعوا في
الميدان السماوي فسحقتها الدبابات النظامية وقتها كان بداية الثورة وقتها مُفاجئة
إلى حد كبير فقد أُشيع أن أحد القادة الليبراليين تُوفي نتيجة أزمة قلبية في سجال
حاد مع أحد قادة الحزب المُسيطرين في هذا وقت على مقاليد الحُكم في الصين فتجمع
الطُلاب بالمئات ثم تحولت تلك المئات إلى الآلاف وراحت الهتافات تزأر: “يموت البعض وهم يستحقون الحياة، ويحيا
آخرون يستحقون الموت”.
لقد مرت تلك الحادثة في هدوء و بدا أن ما كان
ثورة في بداية الأمر ينحصر على مُجرد جنازة كبيرة لشخص هام أو زعيم رحل فجأة في
وسط المعركة و ساهم في هذا الهدوء مُحاولات القادة تهدئة الأمور و تصويرها على
أنها وسيلة جيدة للتعبير عن الرأي يقترب هذا الأمر مما حدث معنا في القاهرة بعد
تنحي مُبارك عن الحُكم إلا إن الأمور و هي في طريقها إلى الهدوء تحركت مرة أُخرى
بصورة مُفاجئة أيضاً فقد أضرب ما يُقارب من المائتين طالب عن الطعام في الميدان
السماوي في الوقت الذي كان جورباتشوف يصل إلى الصين في زيارة دبلوماسية إعتبرتها
السُلطات إنتصار للصين الدبلوماسية نادراً ما يكون الإضراب عن الطعام وسيلة ضغط و
لكن مع تعاطف الكثيرين بدأت الأعداد تنتشر في الوقت الذي صدرت أوامر للجيش بأن
يتحرك ليُنهي هذا الإضراب و الإعتصام بأي ثمن و لكنه فيما يبدو تفاجئ بأعداد من
العُمال و الأتوبيسات و المتاريس امامه و هو في الطريق بل أن الشعب بدأ يتحدث مع
الجنود الأمر الذي أدى إلى تعاطف بعض الجنود مع الشعب و ألقوا أسلحتهم و بدا أن
إكتساب الجيش إلى صفهم أفضل من مُحاربته في وقت ما أدرك بعض الجنود أنهم لا
يواجهون عدوهم بقدر ما هُم يواجهون شعبهم المسئولون عن حمايته.
و مرة أُخرى ألتفت الطبقة الحاكمة و بدأت في
التفاوض مع قادة الحركة الطُلابية و نجحوا في إقناع الطُلاب بإلغاء الدعوة للإضراب
عن العمل و التي كانت دعى لها الجناح اليساري العُمالي في هذا الوقت و بدأ الكلام
عن الأقتصاد الوطني و عجلة الإنتاج يتردد بقوة في وسائل الأعلام و بين المواطنين و
قبل العُمال بهذا الإلغاء و بدا الأمر يتحول إلى نقاشات و خلاف كلامي بحت وقتها
أدرك أفعوان السُلطة أن الوقت قد حان ليضرب ضربته و بالفعل صدرت الأوامر و توجهت
الدبابات و المدفعية الثقيلة لتصوب نحو المعتصمين و بدأت المعركة بين أثقل ما في
الجيش من مُعدات ضد أثقل ما في البشر من معاني الكرامة و الإباء قد تعتقد أن
المُعدات العسكرية الثقيلة هي التي إنتصرت فقد مات الآلاف في هذا اليوم و سالت
الدماء بشكل يفوق القُدرة على الخيال و لكنك مُخطئ إذا تمسكت بهذا الإعتقاد فقد
أستطاعت الإنسانية أن تُضيف إليها قصة نبيلة لمُحتجين ماتوا دون أي سبب سوى أنهم
يطمحون في كثير من الحُرية و كثير من الكرامة و كثير من العدالة الإجتماعية و
يُقال أن الأرواح الغاضبة لازالت تسكُن الميدان السماوي تحكي قصة عشق للحياة كُتبت
بدماء الأحرار ليعيش العبيد.
هذا الميدان ينتقل عبر الزمن و عبر المكان ليستقر
في ميدان التحرير الرمز الذي وهبته لنا السماء في ذات يوم من الأيام كأنها قالت
هُنا تولودا من جديد المكان الذي كُنت أذهب إليه لأتطهر من كُل المفاسد التي زُرعت
بداخلي طيلة عُمري المباركي فعلى مدى ثلاثين عاماً أو أكثر لما أرى إلا أسوء ما
فينا لم أرى إلا مُجتمع لا يوجد به معيار ثابت يكيل بميكيالين شوفييني النزعة
عُنصري الطبع يُمارس عُنصريته على أبناء بلده لينحني إحتراما للأجانب أصحاب البشرة
البيضاء و الشعر الذهبي لم أرى شُرطي يُساعدنا على أن نعيش في أمان بل أرى شُرطة
تُساعد نظام على أن نعيش في المُهان و الظُلم و الدنس كُنت أرى أسوء ما في البشر
بينما هُم يملكون الأفضل.
الآن و في هذه اللحظة الحاسمة و على بُعد أمتار
قليلة من خط النهاية ستكون المدفعية الثقيلة هي صندوق الإنتخابات الذي سيهرس
ملايين البشر المصريين حينما يتم تنصيب أحمد شفيق على رأس الهرم الفاسد ليتعاون مع
أصدقائه و رفاق السلاح في قهر شعب أصيل يدفع ثمن أخطاء بعضهم.